بوابة نمو المشاريع المتوسطة والصغيرة

 

 

 

سهام بنت أحمد الحارثية

harthisa@icloud.com

 

 

سوق الشركات الواعدة ليست مجرد فكرة اقتصادية؛ بل نافذة تفتح آفاقًا جديدة أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي غالبًا ما تجد نفسها محاصرة بين الطموح والتحديات التمويلية، في عالم يتغيَّر بسرعة، لم تعد القروض التقليدية الحل الوحيد؛ فالمشاريع بحاجة إلى أدوات مالية أكثر مرونة تُمكّنها من التوسع دون أعباء ديون ثقيلة، وهنا يأتي دور سوق الشركات الواعدة، الذي لا يوفر فقط رأس المال، بل يعزز ثقة المستثمرين بالشركات الناشئة من خلال الحوكمة والشفافية؛ مما يمنحها فرصة للنمو المستدام.

التجارب العالمية تؤكد أن الأسواق المالية المُصمَّمة خِصيصًا لهذه الشركات تُحقِّق نجاحات كبير؛ ففي الولايات المتحدة، لعب سوق "ناسداك" دورًا محوريًا في صعود شركات مثل أمازون وتِسلا، وقد وفَّر تمويلًا بقيمة 1.5 تريليون دولار خلال العقد الماضي، مما مكّن آلاف الشركات من التحول إلى قوى اقتصادية عالمية. وفي بريطانيا، منح سوق "AIM" المشاريع الصغيرة فرصة للنمو منذ إطلاقه عام 1995؛ حيث جمعت أكثر من 115 مليار جنيه إسترليني، وأصبح أحد أنجح الأسواق الأوروبية لدعم الشركات الناشئة. الصين أيضًا تبنّت هذا النموذج عبر سوق "STAR"، الذي أطلقته عام 2019؛ ليصل إلى قيمة سوقية تجاوزت 1.2 تريليون دولار؛ مما عزز مكانة الصين في الابتكار والتكنولوجيا.

وفي العالم العربي، أدركت العديد من الدول أهمية هذا النوع من الأسواق وبدأت بتطبيقه؛ ففي السعودية، أُطلق سوق "نمو- السوق الموازية" عام 2017 لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وارتفع عدد الشركات المدرجة من 9 شركات فقط إلى أكثر من 60 شركة بحلول 2024، وبلغت قيمته السوقية أكثر من 40 مليار ريال سعودي؛ مما يعكس نجاحه في استقطاب المستثمرين. الإمارات أيضًا تبنّت الفكرة عبر "السوق الثاني" في سوق أبوظبي للأوراق المالية، والذي منح الشركات الصغيرة فرصة تداول أسهمها دون قيود السوق الرئيسية، مما زاد من سيولتها وجاذبيتها الاستثمارية. الأردن بدورها أطلقت "السوق الثاني" في بورصة عُمان؛ ليكون منصة للشركات التي تسعى للنمو قبل انتقالها إلى السوق الرئيسية.

وفي سلطنة عُمان، تُسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لبيانات هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ورغم الجهود الحكومية الداعمة، لا تزال هذه المشاريع بحاجة إلى حلول تمويلية أكثر استدامة. ولا شك أن إطلاق سوق للشركات الواعدة، يُمكن أن يكون نقلة نوعية؛ حيث يمنح رواد الأعمال فرصة لجذب رؤوس الأموال، ويساعد المستثمرين على المشاركة في نمو شركات محلية ذات إمكانات واعدة، مما يخلق بيئة اقتصادية أكثر ديناميكية.

والاستفادة من التجارب العالمية والعربية ستكون عاملًا رئيسيًا في نجاح هذا السوق، من خلال تبني سياسات مرنة لتخفيف متطلبات الإدراج، وتقديم حوافز للمستثمرين، وتعزيز الشراكات مع الأسواق المالية الإقليمية.

وفي الأخير.. لا يقتصر دور هذا السوق على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ بل يمتد ليكون محركًا رئيسيًا للتنويع الاقتصادي وتعزيز الابتكار؛ بما يتماشى مع رؤية "عُمان 2040"، التي تسعى إلى بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة